الضَّبُّ


بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: ريم العسكري

عاشَ العربُ منذُ زمنٍ بعيدٍ في الجزيرةِ العربيةِ، ومن المعروفِ أن طبيعةَ الجزيرةِ العربيةِ طبيعةٌ صحراويةٌ تكثرُ فيها الرمالُ، وتقلُ فيها المزروعاتُ إلا من واحاتٍ بسيطةٍ تحيطُ ببعضِ المدنِ أو القُرى أو بقربها. وقد كان طعامُ العربِ في الصحراءِ الأول هو التمرَ الذي يُحصل عليه من الواحاتِ.

أما اللحومُ فقد كان مصدرُها بعضَ ما يربي العربيُّ في الصحراءِ من حيواناتٍ كالإبلِ والغنمِ وبعضِ ما يصطادُه من الحيواناتِ البريةِ كالغزلانِ، وحُمُرِ الوحشِ والأرانبِ وطيورِ الحبارَى والحجلِ والدرَّاجِ، والتي كان أغلبُ صيدِها بالسهامِ والفخاخِ والكلابِ والصقورِ.

وكان من الحيواناتِ الزاحفةِ التي يصطادُها الإنسانُ ولا يزالُ: الضَّبُّ الذي يكنى بأبي الحسلِ. وهو حيوانٌ يشبه التمساحَ الصغيرَ ويبلغ طولُه قرابةَ خمسةٍ وأربعين سنتيمترًا ويمشي على أربعِ قوائمٍ، وله ذيلٌ طويلٌ يساعده على الحركةِ.

وصيدُ الضَّبِّ يسمى الاحتراشَ، إذ كان العربيُّ قديمًا يدخل في الصحراءِ يتحرى «وجارَ الضَّبِّ» الذي كان يحفره في الأرض ويحتمي به من أعدائه فيدخل في فَمِ الوجارِ خشبةً ويحرِّكها فيظن الضَّبُّ أنها حيةٌ تريد أن تدخلَ بيتَه فيخرجُ من الوجارِ فيعمدُ العربيُّ إلى الإمساكِ به من خاصرتهِ التي هي قبل قوائمهِ الخلفيةِ ثم يربطه بحبلٍ، متوخيًا الحذرَ ألا يتمكن الضَّبُّ من عضِّه، لأن عضَّه مؤلمٌ ومؤذٍ أو لأن تصلَ قوائمُه إليه لأن أظافرَه جارحةٌ، وعادةً حين يتمكن العربيُّ من اصطيادِ أكثر من ضبٍّ فإنه يربطها إلى جانب بعضها بعضًا فتبدو كأنها أقلامُ رصاصٍ مصفوفةٌ.
وفي الوقتِ الحاضرِ اختلفت طريقةُ احتراشِ الضَّبِّ، إذ يخرجُ الصيادُ بسيارتِه حتى إذا وجد فَمَ جُحْرِ الضَّبِّ أخرج أنبوبًا من المطاطِ فجعل إحدى فوهتيه في فمِ الجُحْرِ والأخرى أدخل فيها عادمَ دخانِ المحركِ « الشيكمان»، ثم أدار المحركَ بقوةٍ فينفثُ غازَ الفحمِ داخلَ الوجارِ ويؤدي إلى ضيقِ تنفسِ الضَّبِّ فيخرجُ من الوجارِ ويمسكُ به الصائدُ.

ومن الطريفِ أن الضَّبَّ إذا ذُبِحَ فإن لحمَه يظل ينتفض وبقوةٍ زمنًًا، وإذا وضِعَ في القدرِ فكثيرًا ما تطير قطعُ لحمهِ منها خارجًا حتى قيل: من طبخَ ضبًا ولم يغلق القدرَ فإنه لن يأكل إلا ماءً.

ونسألُ: هل يجوزُ أكلُ لحمِ الضَّبِّ؟ فنقولُ: نعم. فلقد أكله سيدُنا خالدُ بن الوليدِ، رضي الله عنه، في حضرةِ الرسولِ، عليه الصلاةُ والسلامُ، ولم يُنْكِرْ عليه ولكنَّ الرسولَ، صلى اللهُ عليه وسلم، لم يأكلْ إذ قال: «تعافه نفسي» فإنه لم يكن من طعامِ أهلِ مكةَ.

ولقد عرفَ العربُ منذ الجاهليةِ ما يتمتع به الضَّبُّ من ذكاءٍ وحرصٍ ورووا قصةً تبين ذلك وهي أن أرنبًا وجدت تمرةً فغصبها إياها الثعلبُ فاختصما واتفقا على أن يحتكما إلى الضَّبِّ، ولما وصلا وجارَه صاحت الأرنبُ، يا أبا الحسلِ اخرجْ إلينا فإنا نريدُ أن نحتكمَ إليكَ. فأجابَ سميعًا دعوتِ وفي بيته يؤتى الحكمُ. قالت: إني وجدت تمرة فقال حلوة فكليها. قالت فغصبني إياها الثعلب فقال لنفسه أراد الخير. قالت فلطمته قال أخذت بحقك. قالت فلطمني قال: حر فانتصر. قالت احكم بيننا قال قد فعلت.

ففي هذه الحكاية نرى حرصَ الضَّبِّ على عدمِ الخروجِ من جُحْرهِ، وذكاءَه في حُكْمهِ.